لابد لنا أن نعلق على كلمته الأخيرة التي ألقاها في مستهل انعقاد المجمع يوم 4 مارس 2021، وهي كلمة بعنوان "خادم السبت وخادم الإنسان"، وهذه الكلمة هي حلقة من مسلسل الكلمات السابق ذكرها، وهو مسلسل تسطيح الفكر الإنجيلي، وتقديم أفكار مغلوطة للكنيسة بطريقة قص ولصق الآيات وتوظيفها توظيف ركيك يعكس عدم فهم روح الإنجيل، وعدم الإلمام بعقيدة الكنيسة، وهذه الكلمة راح البطرك فيها بطريقة ناعمة يكيل اللوم والانتقاد لخدام الكنيسة الأمناء على العقيدة وتوصيفهم بأوصاف كتابية لم تكتب من الأساس لهم، بل كتبت لانتقاد أوضاع مختلفة تماما، جاءت كلمته من جزأين، في الجزء الأول راح البطرك يقذف مشاعرنا بأربع نقاط قارن فيهما بين من أطلق عليه "خادم السبت" وخادم الإنسان، ثم راح يركز أكثر فصدر لنا في الجزء الثاني من الكلمة ستة نقاط ينتقد فيها بحدة صفات "خادم السبت"، وهذا تحليلنا للجزء الأول:
اليوم الثالث أحدث الفيديوهات الرائعة
من هنا
في النقطة الأولى من المقارنة حاول البطرك الهجوم على الطقس بطريقة غير مباشرة حيث دعى لاعتبار الطقس ليس هدف ولا غاية بل وعاء ثقافي محلي، فلا يجوز الدفاع عنه، وراح يحثنا على التفريق بين الوعاء والمحتوى وبين الفلكلور والطقس، ولم ينس أن يعرج على استخدام اللغة القبطية في الصلاة، وهذا الخطاب هو خطاب بروتستانتي قديم ومحفوظ لنا، وهذه النغمة الناعمة سمعناها من بعض حاشية البطرك الذين تصدروا مشروع طمس وتغيير تقليد صنع الميرون في الكنيسة (منهم أنبا أنجيلوس صاحب دعوات أسطورية التكوين والكاهن يوحنا نصيف صاحب دعوات تغيير مواعيد الأعياد القبطية)، ونادوا وقتها أن الطريقة لا تهم المهم هو الهدف، وضاع بهذه النظرية من الكنيسة طقس وتقليد هام جدا يعود للمسيحية المبكرة.
- في النقطة الثالثة من المقارنة يحاول البطرك أن ينفي عن خادم الكنيسة أن يكون صاحب ثقة في إيمانه، متهما هذا الخادم باحتكار الحقيقة المطلقة إن كانت له ثقة في إيمانه، متناسيا أن القديس بولس قد قال "لهذا السبب أحتمل هذه الأمور أيضا. لكنني لست أخجل، لأنني عالم بمن آمنت" (2 تي 1: 12)، ويقول القديس بطرس "بل قدسوا الرب الإله في قلوبكم، مستعدين دائما لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم، بوداعة وخوف" (1 بط 3: 15)، فأن كنا لسنا مع الحق المطلق الذي هو طريق الخلاص فباطل تعبنا وايماننا.
- في النقطة الرابعة من المقارنة يفاضل البطرك بين خادم يعيش السلام وخادم دائم الخصام والصدام، والدعوة إن تجاوزنا شكلها البريء فهي اتهام مبطن لخدام العقيدة بأنهم أصحاب توجهات تصادمية وخصامية، وهذا اتهام غير دقيق، فالرب يسوع نفسه خاصمه اليهود عندما أصر على مفهوم الإفخارستيا في يوحنا ٦، لدرجة أن تركوه وارتدوا عنه معثرين، أما الرب فقال لبقية التلاميذ لعلكم أنتم أيضا تريدون أن تمضوا؟ ولم يتنازل عن مفهوم الإفخارستيا تماشيا مع عدم فهم الناس، بل أصر على هذا، ولا يمكن لأحد أن يعتبر أن الرب يسوع هنا كان رجل خصام أو صدام.
أما الجزء الثاني من كلمة البطرك فنناقش الست نقاط التي انتقد فيها من أسماه خادم السبت، ونحن نعلم أنه يقصد بذلك خدام العقيدة المدافعين عن الكنيسة وإيمانها:
- في النقطة الأولى من صفات خادم السبت أورد البطرك مثال مغلوط وهو اعتراض اليهود على شفاء الرب للمرأة المنحنية، مدعيا بأن خادم السبت له صفة العناد كما فعل اليهود مع الرب، وهي حيلة تفتقر للذكاء ينتقد فيها خادم العقيدة بنظرية تشويه الرموز الروحية بمقارنته برمز مذموم، وهي أيضا دعوة مستترة ليكون الخادم مذعن لكل الأفكار بلا إفراز، ولا يكون عنيدا في الدفاع عن عقيدته، متناسيا أنه لولا صلابة أثناسيوس لما وصل لنا الإيمان، ولولا صلابة ديسقوروس لكنا الآن في عباءة الكنيسة الكاثوليكية المرتدة عن الحق، ولولا صلابة أنبا صموئيل المعترف لغرقت أديرتنا في الهرطقات، وأن الرب يسوع نفسه كان صلبا جدا ومعاندا لكل أفكار إبليس التي طرحها عليه في التجربة على الجبل، بل الواقع أن الكتاب المقدس يشجعنا على عكس دعوة البطرك قائلا "كي لا نكون في ما بعد أطفالا مضطربين ومحمولين بكل ريح تعليم، بحيلة الناس، بمكر إلى مكيدة الضلال" (أف 4: 14).
- في النقطة الثانية من صفات خادم السبت يقول البطرك عنه أنه خادم مُتعِب، يسبب تعبا لمن حوله، والحقيقة أن خادم الله الحقيقي يسبب تعبا ولكن ليس للأتقياء، ولكن للملتوين أصحاب الاجندات الخبيثة، للذين يزرعون الزوان وسط الحنطة في ظلام الليل، للمبتدعين والهراطقة ومن لهم شهوات خاصة في التعليم، ولكن على الجانب الآخر هذا الخادم يكون في نظر الأبرار مصدر بهجة، فيقول عنه الكتاب "نور الصديقين يفرح، وسراج الأشرار ينطفئ" (أم 13: 9)
- في النقطة الثالثة من صفات خادم السبت يقول البطرك عنه أنه خادم مرتاب، وضرب مثلا خاطئا بارتياب اليهود من معجزة شفاء المولود أعمى، والحقيقة البطرك هنا يتكلم بطريقة غير مباشرة عن الخدام الذين لا يرتاحون للتحركات المريبة في تغيير إيمان الكنيسة، ونتذكر أنه عندما اعترض الأمناء على تغيير طقس الميرون قال البطرك أنهم أصحاب عقول منغلقة، والبطرك هنا ينتقد ليس الخادم المرتاب، بل الخادم الفطن اليقظ الواعي لكل تحرك غير سليم ضد سلامة الإيمان، وهذا النوع من الخدام قال عنه الوحي الإلهي "على أسوارك يا أورشليم أقمت حراسا لا يسكتون كل النهار وكل الليل على الدوام. يا ذاكري الرب لا تسكتوا، ولا تدعوه يسكت، حتى يثبت ويجعل أورشليم تسبيحة في الأرض" (إش 62: 6- 7)، أما القديس بولس الرسول فقد أوصى إكليروس مدينة أفسس قائلا "احترزوا إذا لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة، لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه" (أع 20: 28)، ولم يكن بذلك يدعوهم للارتياب في كل أمر بل لليقظة في التعليم.
الفيديو ونهاية الموضوع لا تنسوا ان تعلقوووا
- في النقطة الخامسة من صفات خادم السبت يقول البطرك عنه أنه خادم متزمت، ضاربا مثالا مغلوطا بتزمت اليهود أمام شفاء ذو اليد اليابسة يوم السبت، والحقيقة أن الخادم الحقيقي هو خادم مدقق وليس متزمت، والقديس بولس قد دعانا قائلا "فانظروا كيف تسلكون بالتدقيق، لا كجهلاء بل كحكماء" (أف 5: 15)، والقديس اثناسيوس قد كان مدققا جدا في حرف واحد حاول به آريوس أن يتلاعب بعقيدة لاهوت المسيح، ولكن هذا الحرف الذي يحول كلمة مساوي إلى كلمة مشابه لم يمر مرور الكرام على القديس أثناسيوس، ضاربا لنا مثالا للتدقيق الواعي.
- في النقطة السادسة من صفات خادم السبت يقول البطرك عنه أنه خادم مُعثِر، ضاربا مثلا مغلوطا بدعوة المسيح للتلاميذ بأن لا يعملوا حسب أعمال الكتبة والفريسيين، والخادم الحقيقي الذي على حسب قلب الله يمكن حقا أن يكون معثر جدا، ولكن لهؤلاء الذين سقطوا من النعمة، وفي ذلك يقول الكتاب "لأن اليهود يسألون آية، واليونانيين يطلبون حكمة، ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوبا: لليهود عثرة، ولليونانيين جهالة" (1كو 1: 22- 23)، ويقول أيضا "لأننا رائحة المسيح الذكية لله، في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون، لهؤلاء رائحة موت لموت، ولأولئك رائحة حياة لحياة" (2كو 2: 15- 16)، وشهد الكتاب أيضا عن تباين ردود الفعل بين المؤمنين وغير المرمنين تجاه عمل الله "وإذ قال هذا أخجل جميع الذين كانوا يعاندونه، وفرح كل الجمع بجميع الأعمال المجيدة الكائنة منه" (لو 13: 17)
وأخيرا أحب أن أوضح أن كلمة البطرك المملوءة من المغالطات والإهانات المستترة قد احزنت قلوب كثيرين من أبناء الكنيسة المخلصين المتيقظين لما يحدث، في الوقت الذي لاقت فيه استحسان واسع من أسماء ملفتة للنظر، مثال: كمال زاخر صاحب دعوات علمنة الكنيسة، مجدي خليل صاحب أجندة بروتستانتية، القمص يوحنا نصيف متصدر تغيير مواعيد الأعياد القبطية، وكثير من الأسماء الأخرى التي عليها علامات استفهام كبيرة تجاه سلامة التعليم.
ربنا موجود

إرسال تعليق
علق علي الخبر بكل حيادية وهدوء أعصاب